لم يمنح رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو كل السذج في لبنان وفي العالم الفرصة لمزيد من تسويق الاجواء الايجابية المخادعة, واجهض بوقاحة منقطعة النظير المناورة الانتخابية الاميركية في مهدها بعدما رمى المسودة المقترحة من قبل ادارة بايدن في وجه مبعوثيه عاموس هوكشتاين وبريت ماكغورك, مفضلا الرهان على عودة الرئيس السابق دونالد ترامب الى البيت الابيض عله يمنحه المزيد من الوقت والدعم لمواصلة العدوان على لبنان وغزة وشن هجوم جديد على طهران.
انهيار المساعي الديبلوماسية يفتح الباب على مصراعيه امام تصعيد خطر لا يمكن التكهن بحدوده, في ظل اصرار اسرائيلي على استسلام المقاومة والدولة اللبنانية دون قيد او شرط, وهو امر لا يمكن حتى النقاش فيه مع لبنان الرسمي وحزب الله. هكذا عادت الكلمة للميدان, حيث يواصل جيش الاحتلال حربه الهمجية ضد المدنيين, والبنية التحتية لبيئة المقاومة, في النبطية وصور وبعلبك, ويتفنن بجرائم الحرب ضد الانسانية, امام صمت دولي واقليمي مريب, لن تغيره او تشفع له تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي اكد بالامس انه لم تعد مواقف الاستنكار مجدية امام ما يحصل في غزة ولبنان, دون ان يوضح ما هي الاجراءات التي ستتخذها بلاده لوقف المجزرة بعد الدعوة الى قمة اسلامية- عربية في ال11 من الجاري؟! في وقت تقف المنطقة على "فوهة بركان" مع توقعات برد ايراني قاسٍ على العدوان الاسرائيلي.
هذه المواقف الاعلامية المضللة, لن تغير من الوقائع شيئا, وحدهم المقاومون يرسمون معالم المشهد المقبل في ظل ملحمة اسطورية تخاض على الحدود, حيث تحولت اطراف بلدة الخيام الى "مقبرة" لجنود الاحتلال في معارك من مسافة "صفر", حيث تعرضت القوات المتسللة الى 12 عملية استهداف ادت الى احتراق العديد من دبابات الميركافا وقتل وجرح العشرات من الضباط والجنود, فيما لا تزال وحدة الصواريخ والمسيرات فاعلة جدا, وقد تسببت بالامس بخسائر فادحة في المطلة وحيفا, حيث تجاوز عدد القتلى ال9, وهو ما وصفته وسائل الاعلام باليوم "القاسي في الشمال" ووصفت الهجمات الصاروخية بالفتاكة.
وعلى ذمة مصادر ديبلوماسية غربية, تعرض الاميركيون لخديعة جديدة من نتانياهو, عندما نقل الوزير المقرب منه رون ديرمر اجواء ايجابية الى واشنطن, بان رئيس الحكومة الاسرائيلية لديه استعداد للمضي قدما بمسودة الحل المقترحة, لكن لديه بعض الملاحظات غير الاساسية عليها. عندئذ تقرر ارسال الموفدين الى "اسرائيل" على ان ينتقل هوكشتاين بعدها الى بيروت لتسويق الاتفاق, وقد تواصل حينئذ مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي واوحى اليه بان الاجواء في "اسرائيل" باتت افضل ونصحه بالتعامل بايجابية مع المسودة, لان الاسرائيليين لا يبدو انهم مستعدون لتقديم المزيد من التنازلات, لكنهم يتعاملون بايجابية مع المقترح. لكن الموفدين الاميركيين صدموا عندما ابلغهم نتانياهو ان بنود الاتفاق "منفصلة عن الواقع" وغير مقبولة ومن السابق لاوانه الحديث عن وقف للنار الان. عندئذ قرر هوكشتاين عدم العودة الى بيروت وغادر الى واشنطن بعدما عاد وابلغ ميقاتي ان الامور عادت الى نقطة "الصفر". وقد بات المسؤولون الأميركيون مقتنعون بعدم إمكان التوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل الانتخابات الرئاسية. وأوضحت مصادر اميركية لقناة "السي ان ان "أن هناك شعورا داخل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن, بأن نتنياهو ينتظر انتهاء الحملة الانتخابية الرئاسية لمعرفة من سيكون رئيس الولايات المتحدة العتيد.
وفيما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الاميركية عن مسؤول إسرائيلي قوله "سنفاوض تحت القصف ولا أحد يوافق على وقف النار للتفاوض على اتفاق", قال نتانياهو, بعد لقاء هوكشتاين وماكغورك,أن هناك ضغطا لتحقيق تسوية في لبنان قبل الأوان والواقع أثبت العكس", متابعا "نعالج أذرع الأخطبوط ونضرب في الوقت نفسه رأسه في إيران, ولا أحدد موعدا لنهاية الحرب لكني أضع أهدافا واضحة للانتصار فيها, كما اكد للموفدين تصميم "إسرائيل" على إحباط أي تهديد لأمنها من لبنان وإعادة الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال ... وقال: القضية الأساسية ليست أوراق هذا الاتفاق أو ذاك بل قدرة "إسرائيل" وتصميمها على إنفاذ الاتفاق. ولفت الى ان وقف اطلاق النار مع حزب الله يجب ان يضمن امن "اسرائيل". واشارالى انه المهم في التسوية في لبنان إمكان تحقيق الأمن والعمل ضد التسلح. وفي موقف يعكس استخفافه بادارة بايدن قال نتانياهو "أقدر بشدة الدعم الأميركي وأقول نعم عندما يكون ذلك ممكنا ولا عند الضرورة, ونحن نغير وجه الشرق الأوسط لكننا ما زلنا في عين العاصفة وأمامنا تحديات كبيرة ولا أقلل من شأن أعدائنا مطلقا.
واعربت اوساط ديبلوماسية اوروبية عن دهشتها من موقف نتانياهو الذي كان يعرف مسبقا ان المقترح لن يكون مقبولا من قبل حزب الله وبيروت, لكنه لم ينتظر ان يرفضه الطرف الآخر, وبادر الى اتخاذ موقف سلبي مثير للقلق لانه يشرع الابواب امام تصعيد ميداني قد يتخذ اشكالا اكثر دموية حيث تخشى فرنسا خصوصا من انتقال "اسرائيل, الى مرحلة استهداف البنية التحتية للدولة اللبنانية بعدما استنفدت كل اهدافه العسكرية ضد حزب الله, وتراوح المعركة البرية مكانها, ولهذا قد يلجأ الاسرائيليون الى ضرب القطاعات الحيوية اللبنانية, ظنا منهم انها يمكن ان تجبر الطرف الآخر على الاستسلام.
المصدر: الديار